الأربعاء، 26 مايو 2010

ميت بلا كفن...














جلست أتأمله ،ودموعي في عيني،وأنا أسمع صرخات أهله،وبكائهم..
كان جسداً مسجى امامي يحركه الناس،ولا يستطيع أن يتحرك.صامت،أغمض له أحد أقربائه عينيه فقد رحل ولا يحتاجهما مفتوحتين بعد الآن..
أنا ومن حولي كنا نبكي عليه،مازلت في بدلتي الرسمية التي أرتديها في كل الأوقات...
بدأوا بتجهيزه لعملية الغسل التي لم أشاهدها قبل اليوم،كانوا ينزعون عنه ملابسه كلهاساعته وحذائه حتى خاتم زواجه كل شئ يُنزع، وأنا أساعدهم، وأتأمل حالي في بدلتي الرسمية..
لا يستطيع الصراخ..لا يستطيع منعهم..ترى هل روحه معنا تشاهد وتعترض..أم أنها غابت في دنيا الحساب ..دنيا النعيم أو العذاب،لا أدري..
كنت أعرفه،كانت يتميز بالحياء،بل الخجل والصمت مثلي..بل مثلنا جميعاً..
ترى لو كان هنا ،هل كان سيسمح لهم بنزع ملابسه هكذا...!
لكنه هنا جسدا..لا يتحرك..بل لقد رحل وإن بقي الجسد هذا ما يفسر هذا الصمت..
ترى هل نختلف عنه،وهو مسجى نحركه كيف نشاء..؟
واصلت الأفكار تزاحمها في رأسي ..
إن كانت ملابسه قد نزعت ،فنحن مازلنا بملابسنا،بدلنا الرسمية ..
إن كان مسجي فإننا نتحرك ...
إن كنا أغلقنا عييه،فأعيننا مازالت مفتوحة...
إن كان لايسمع بكائنا ،وصرخات أهله فنحن نسمع...
أم أنني أتوهم...
فكل ما نمتلكه ينزع من أمام أعيننا بل من بين أيدينا كما نزعنا عنه ملابسه وساعته،وخاتم زواجه..
وأعيننا مغلقة مثل عينيه،أُغلقت بأوامر عليا..فرضها علينا الخوف من أصحاب الأوامر...
هاهو الماء الذي سيغسل به..رائحة الريحان،والزعفران المختلطة بالماء تسللت إلى أنفي،لمست المياه وجدتها باردة كالثلج،في هذا الشتاء القارص...
ترى هل سيحتملها..
ولكنني تذكرت ..لن يستطيع الرفض أو الصراخ أو حتى التألم...فهو ميت..جثة لا تتحرك،ولكن ماذا عنا نحن..؟
نتلقى كل يوم مصائب وحوادث..بلا كوارث وسرقات..نُنهب..دنائنا تسيل.. تباع مقدساتنا وتنتهك بأيدي قادتنا قبل أعدائنا..حتى أرضنا أصبحت محتلة...محتلة بالعملاء..وبيعت كل أملاكنا..ولا نصرخ أو نتألم..لا نتحرك..أًغلقت أعيننا بالقوة،وتركناها مطبقة دون أن نحاول حتى أن نختلس النظر على حقوقنا المسلوبة..مصائب الماء البارد أهون مافيها...
أيقنت وأنا أمامه أشاهده..أشاهد تكفينه،وأبكي عليه أننا أموات مثله..لكننا اموات بملابس رسمية..أموات بلا كفن وبلا نعيم..أموات تنزع عنا ملابسنا،وأغلى أشيائنا كما أخذت منه حافظته..وساعته..وخاتم زواجه...
نُغسل بالماء البارد،بل والساخن الشديد الحرارة في اليوم ألف مرة..
أموات بلا حساب ولا نعيم..أموات في عذاب دائم بلا ذنب سوى الصمت..
وجدت دموعي قد جفت وانقلبت إلى ضحكات ...ضحكات جعلت كل من حولي يرمقونني ينظرات تعبر عما في قلوبهم..وبدأت أنزع عني تلك الملابس الرسمية أمام أعين الجميع ،وأسمع همهماتهم وأتهاماتهم لي بالجنون ولكنني قررت..
لا أريد أن أكون ميت ببدلة رسمية ،قررت أن أبحث عن كفن..أو أظل هكذا بدون تلك البدل حتى أجد كفناً يسترني..
فأنا ميت بلا كفن ولا حساب ..ميت بلا نعيم في عذاب دائم...


هناك تعليقان (2):

  1. يا الله .....ٌقوية كلماتك وتعبيراتك عن الموت والحياة والأحياء الموتى والموتى الأحياء ذكرتني بقصيدة ليس الغريب .قصيدة دوما تهزني هزا وتجعلني أرى الموت والحساب وأنا بلا زاد ...اسال الله لنا العفو والمغفرة وتقواه .............تحياتي

    ردحذف
  2. السلام عليكمـ

    أما لكم وقفة بني الإسلام ، قد طال ليل الصمت فأفيقوا بربكم.
    دولة الإرهاب الصهيونية ما عادت تفرق بين أهل غـزة ومن يساندها ، فالجميع في نظرها سواء .

    إسرائيل تقتل قُرابة الـ 20 من رواد أسطول الحرية ،وتستولي على السفن بما تحمله .
    من بين المصابين الشيخ رائد صلاح ، وهو في حالة حرجة في غرفة العمليات ..

    آن الأوان لحاجز الصمت أن ينكسر ، وآن الأوان لشعب مصر والشعوب العربية جميعاء أن ينتفضوا ويقفوا وقفة حق .!

    ردحذف

قال تعالى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

لنحيا بالقرآن..

TvQuran